"اتجاه حلوان ده ياحج؟" .. كانت هي آخر كلماتي التي أدليت بها, قبل أن أستقل عربة المترو المُذدحمة هذه وأدخل إلي عالمها الخاص, كعادتي وكعادة أي مصري حين يستقل أي وسيلة مواصلات أبحث مُسرعًا علي سماعاتي الخاصة, حتي أهرب من هؤلاء الأشخاص المكتوب الهم علي وجوههم كل واحدًا فواحدًا .. بالفعل قُمت بتركيب سماعاتي في هاتفي وقُمت بالضغط علي كلمة بحث لأكتب "ماكونتش ناوي أودعك .. عمرو دياب" ..
أرفع عيني بعد أن بدأت الموسيقي الخاصة بالأغنية لأتفاجأ .. بشخص يدخل عربة المترو في هدوء شديد مُرتديًا سماعاته الخاصة هو أيضًا .. تبدو علي ملامحه تفاصيل البعاد .. ها هو صديقي الذي دام قريب مني لفترة أقتربت من العشر سنوات .. ولكن اليوم الوضع تغير .. فلا يُريد أحد منا أن يتقدم نحو الأخر ويُلقي حتي السلام, فمُنذ أن تعاهدنا علي البُعد والفراق, لم نُخل بهذا العقد حتي وقتنا هذا ..
حالة من الوجع الشديد إنتابتني في هذا الوقت .. أشعُر وكأن العُمر توقف فجأة دون أي سابق إنذار, لم أتوقع هذا اليوم أبدًا .. ما الذي يجري؟ .. أنا وصديقي في مكان واحد, وكأننا لم نعرف بعض؟
هل تقسو علينا الدنيا بكل هذة القدرة؟ .. كنت أري ذلك في الأفلام فقط, ولكن اليوم ها انا بطلًا لفيلم من هؤلاء.
كيف حدث ذلك ومتي؟ .. ومن الذي تسبب في كل هذا .. أنا أم أنت أم القدر يا صديقي؟..
كيف نمُر بجانب بعضنا البعض وكأننا لم نعرف بعض من قبل ..
وماذا عن عُمرنا القادم.؟ هل سنعود .. أم سأُمحيك من حياتي كما فعلت مع كل من خذلني؟
كُنت أفكر في كل هذا وأُغلق عيناي من وقت لأخر حتي لا تفضحني دموعي, وأتنفس بصعوبة وكأنني في سيارة إسعاف, إرتفعت دقات قلبي وجعًا, وأرتفع معها صوت عمرو دياب القائل: "ماكونتش ناوي أودعك .. بس إنت مافهمتش"
ليرحب عقلي بكلمات الهضبة عاتبًا صديقي في سري قائلًا: " والله ما كُنت عايز كل ده يحصل .. إحنا الأتنين غلطنا يا صاحبي .. بس إنت غلطك كان أكتر .. إنت إتفقت مع الدنيا علي وجعي .. وماعملتش حساب لأي حاجة بنا .. ومشيت" ..
أتذكر كل لحظة مرت بيننا .. أتذكر تلك الأيام والليالي التي طالت فيها حكايتنا علي هؤلاء, وها هو اليوم أصبحنا نحن حكايات لهؤلاء .. إنكشفت قلوبنا أمام الجميع, في حالة صدمة وتساؤل واضح من الكل "معقول حصل بينهم كدة؟".
تذكرت أيضًا ذلك اليوم حين كُنت تتهمني بإتهامات باطلة, لم تمُت لي بصلة لا من قريب أو من بعيد, تذكرت نظراتك لي وأنت تدافع عن نفسك أمامي بمنتهي العُنف, كُنا دائمًا ما نُدافع عن بعضنا أمام الجميع, ولكن للأسف .. تغير الحال يا صديقي.
لا يوجد في يدي أي حلول سوي اللجوء لله .. فهو الوحيد الذي يعلم قدر ما عنيت منه .. هو الوحيد الذي نظر بكل حيادية وسيفصل بيننا يومًا ما .. أطلب منه أن يحفظك, وأن يُعيد لي يومًا واحدًا من أيامك, أو علي الأقل يضع أي حنان في قلبك تجاهي .. وتعود .. تعود مرة ثانية صديقي الذي لا أملك في الدنيا سواه.