فراق يهددنا فراق لا يسعه سوى أن يزج بالحزن في سجون قلوبنا فيزيدها حزنًا وألمًا أكثر مما هي متألمة.. يزج به إلى سجون قلوبنا المعتمة فيزيدها غُلفًا.
أتأمل في كل يوم في فراق هو محور حياتنا.. نودع الناس تحت الثرى وفوق الثرى وعند الذهاب وعند السفر، وكأن الفراق سار عهدًا مقطوعًا علينا منذ البداية ومن قبل الميلاد.
وكأن الدنيا فراق يودي بنا إلى فراق أكبر.. أذكر حين ودعنا الفقيد إلى مثواه، راح الناس رحل الجميع إلى أماكن شتى لم يبقى سوى هذا الصديق القديم .. لم تبق سوى ذكرى جميلة ولقمة عيش بلغت قدسيتها بل وتجاوزت كل القوانين والأعراف السامية.. ولكنها أيضًا رحلت.
ودعنا الفقيد ورحلنا وافترقنا إلى ما كنا نظنه لقاءًا، ولكنه كان فراقًا أكبر إلى دنيا الخلاف والبغض والضغائن..
ولكنني صرت أتأمل مشهدًا قصه عليّ أحدهم أن الفقيد قد سلك سلوكًا وكانه اعتذارًا وكأنه مناجاة لمن كان يظنه سبب الشقاء، ويكأنه عرف الحقيقة..
العجب كل العجب.. لماذا دائمًا لا نعرف الحقيقة ولا نستوعب الدرس إلا عند النهاية؟ ولماذا دائمًا تكون النهاية هي الفراق؟ ولماذا صرنا نختار الفراق؟ وكأنه الخيار الوحيد بينه وبين الموت والحياة..؟
الشمس تفراقنا كي تلاقينا ثم تفارقنا، اليوم يبدأ لينتهي ويفارقنا، والأحبة يأتون إلى حياتنا لأجل لحظة فراق..
ترى هل الفراق فلسفة لم نستوعبها حتى الآن.. هل الفراق عقاب أم نتيجة حتمية يجب الاستسلام لها؟
أنا - عن نفسي - لا أحب الفراق؛ لأنه دائمًا كان يمثل لي نهاية كل اللحظات الجميلة أو بداية كل ما هو سيء، ربما لأنني أكره النهايات..
لقد عانت أمي كثيرًا كي تفهمني بأن لكل حدث في هذه الدنيا نهاية ولكنني لم أستوعب ذلك..كنت دائمًا أبحث عن اللحظة الأبدية التي لا تنتهي، حتى عندما كبرت وتحرك قلبي ونبض بالحب صرت أبحث أيضًا عن عشق "أبدي خالص" لا ينتهي، ولكنني أعلم أنه حتمًا سينتهي بالفراق..
الله كتب النهاية وحدد الآجال ولكنه لم يجكم علينا بالفراق نحن من نسعى لهذا الفراق نسعى لأن نفترق سياسيًا فلا نلقى وفاقًا بين التيارات.. تفارقنا اجتماعيًا حتى صارت الفوارق فُرقة، فضاع الحب بين سفه الطبقية والتقاليد الكاذبة.
نحن من نسعى للفراق سعيًا فصرنا حتى نفترق عند أول حافلة تقلنا إلى بيوتنا.. لندخل إليها ونفترق عن أبنائنا وأخواتنا، ثم ندير الظهور لشركائنا لننام ونفترق..
الفقيد - أيضًا - علم أن الفراق هو الحل ففارق.. طيب الله ثرى الفقيد.. وتصبحون على فراق جديد ربما يكون نهايته لقاء أو فراق.