اهم الأخبار:

مقالات

محمود عليوة يكتب : العمى ....... وبلادي !!!

حريتنا - محمود عليوة يكتب : العمى ....... وبلادي !!!

 في روايته "العمى" يصور الكاتب البرتغالي "جوزيه سارماجو" مدينة أصابها وباء عمى من نوع جديد ، عمى أبيض ! إحساس بالغرق في بحر أبيض، وكان أول من أصيب به رجل منتظراً من إشارة مرور أن تضيء له بالأخضر ليمضي في طريقه، وفجاءة سقط في بحرٍ أبيض                                      !..

وفي المساء ذهب إلى طبيب عيون لينظر في حالته، ولم يعرف الطبيب مرضاً كهذا من قبل، وجلس طوال الليل يبحث لهذا المرض عن أساساً في كتب الطب القديم منها والحديث، وفجاءة سقط في بحرٍ أبيض                              .....!         .

من دوره قام الطبيب بإخبار وزير الصحة خوفاً من أن ينتشر هذا الوباء بدون أن يعرفوا له سبباً أو علاجاً ، ووصلت حالات الأصابة في ذلك الوقت إلى ستة حالات تقريباً، وبدورها قامت الحكومة ـــ وكعادة كل الحكومات العقيمة ـــ بعزل المصابين في إحدى المنشآت النائية عن المنطقة السكنية ـــ بغير أن تعرف سبب المرض أو علاجه  ـــ ووضعت عليها حراسة مشددة خوفاً من انتشار المرض

والغريب في الأمر أن زوجة الطبيب ــــ وهذا كل ما عُرِفَت به في الرواية ــــ ذهبت مع زوجها إلى تلك المنشأه حينما أخبرتهم كذباً أنها اصيبت بهذا العمى، لترافق زوجها وتكون عينه التي يرى بها إلى أن تصاب هي الأخرى أو أن يُشفى ! ـــ مثلٌ للتضحية لا لشيء غير الحب ـــ .

  وهكذا زادت حالات الإصابة بالوباء إلى أن أصيبت المدينة كلها، لكن زوجة الطبيب لم تصب بهذا العمى !  ولا نعرف لماذا ؟! .

      ولك أن تتصور مجتمع متحضر، يملك ما يملك من التكنولوجيا والمفكرون والعلماء و ....... إلخ، لكنه أعمى ! لايرى شيئاً غير البياض، فقد حاسة من حواسه الخمس فتحول على إثرها كالحيوانات، يقتتل الناس جميعاً على شيء واحد، الطعام فلا قيمة للمال ولا السيارات الفارهة والمباني ، ولا يوجد كهرباء ، كل ما يبحثون عنه طعام لكي لايموتون جوعاً، مع العلم أن هذا سبب أودى بحياة الكثير منهم في سبيل الوصل إليه ! .

 وهكذا قادت زوجة الطبيب ــ المبصرة الوحيدة ــ مجموعتها التي نجت معها من المنشأة النائية المحترقة ! ، فكانت عينين تقود ستة أشخاص ، تقود سبعة أبطن ، أنقذتهم كثيراً من أحداث وأشياء كادت تنهي حياتهم ، إلى أن عاد إلى من بقي ــ من سكان المدينة ــ حياً بصره بنفس الترتيب الذي فقدوه به تقريباً .

هذا بخصوص العمى .... أما بخصوص بلادي، فجميعنا مصاب بالعمى ، لكنه ليس عماً أبيض ولا أسود حتى ، بل العمى الذي عبرت عنه المبصرة الوحيدة في الرواية بقولها " لا أعتقد أننا عمينا ، بل أعتقد أننا عميان  ، عميانٌ يرون ! ، بشرٌ عميان يستطيعون أن يروا .!!!  لكنهم لا يَرون " .

لكن حتى وفي وسط هذا العمى المصاب به مجتمعنا ، إلا أنه يوجد من يجاهد نفسه ليرى أو على الأقل ليميز ، وهذا الصنف يصوره الأديب الكاتب في الرواية والذي كان يكتب محاولاً محاربة هذا الوباء مع أنه مصاب به ! ، حين سألته المبصرة الوحيدة  عن ماذا تكتب ؟ قال " عن معاناتنا ، عن حياتنا ، يجب أن يتكلم الجميع عما يعرفونه ، ويسألون عما لا يعرفونه " وحين نصحها قائلاً " لا تضيعي نفسك ، ولا تتركيها تنساق إلى الضياع !" ـــ رسالة من أعمى إلى كل المبصرون في العالم ــ .

 وهنالك المجرمون الذين انقلبوا على النظام الذي وضع للعميان في المنشأة النائية ، وارتضوه أو كانوا مجبرين ! إذ ليس بوسعهم شيء فهم عميان ، ويتمثل هؤلاء المجرمون في العصابة التي استولت على الطعام المخصص للعميان تحت قوة السلاح ، وكانوا لا يعطونهم هذا الطعام ــ الذي هو حقهم ـــ إلا مبقابل لا يمكنك تصوره أحياناً ، لكنهم لاقوا جزاءهم على يد المبصرة الوحيدة .

 وتوجد السلطة بأشكالها المختلفة ، والتي تصدر أوامرها التي لا تقبل النقاش ، عن بعد وهي غير عارفة بأحوال الناس ولا حاولت ، وبكل وحشية تقتل من يخالفها حتى بدون معرفة السبب ، والمتمثلة في الحراسة التي تحوط المنشأة النائية .

 وهنالك مجرمين من نوع أخر ، مجرموا التيار ، فهم ليس لهم فكر ولا رأي هم إمع ، مجرمون يساقون وهم معظم الناس وأكثرهم في الرواية وكذلك في الواقع ، والإعلام الذي قام بدوره على أكمل وجه في التكتم على الحقيقة على هوا السلطة ، فلم يجروأ إعلامي واحد على البوح بحقيقة أن بلادهم مصابة بوباء العمى...

 لكن السؤال الذي سألته لنفسي عند قرأتي لهذه الرواية ، متى سيأتي هذا المبصر الوحيد ليأخذ بأيدينا لينقذنا من هذا العمى ــــ الضياع ــــ الذي نحن فيه ، ليقول لنا بكل صراحة كما قالت المبصرة الوحيدة في الرواية " إذا كنا غير قادرين على العيش ككائنات بشرية ، فدعونا على الأقل نفعل كل ما بوسعنا كي لا نعيش كالحيوانات تماماً "  ؟ .

 


للاستماع للبث المباشر لراديو حريتنا اضغط هنا
للاشتراك في صفحتنا على الفيس بوك ومتابعة أخبارنا اضغط هنا
المصدر : حريتنا

اقرأ أيضا

تعليقات الموقع (0)

أضف تعليقك
الأسم
البريد الالكترونى
الهاتف المحمول
عنوان التعليق
التعليق
إرسال التعليق

تعليقات فيسبوك

حريتنا 2013 © جميع الحقوق محفوظة لدى موقع ( إحدى مواقع شركة LCA )