ماذا حدث في "سيلكون فالي " وكيف تأثرت الشركات المصرية ؟
******
قبل يومين، انهار أحد أكبر البنوك العاملة في عالم شركات التكنولوجيا الناشئة، بنك سيليكون فالي، بشكل غير متوقع، بعد سلسلة من القرارات المتخبطة طوال أيام تسببت في حالة من الذعر، نتج عنها موجة تخارج من العملاء.
ولم يتمكن البنك، الذي يمتلك أصولًا تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار، بحسب آخر البيانات المالية في نهاية 2022، من التعامل هذه الموجة وتبعاتها، ما تطلب تدخل السلطات المالية في ولاية كاليفورنيا، والتي استدعت بدورها وكالة تأمين الودائع الفيدرالية، التابعة للحكومة الأمريكية، وأعلنت الأخيرة الجمعة الماضي، سيطرتها على أصول البنك، ما يضع حوالي 175 مليار دولار من ودائع العملاء تحت سيطرتها.
انهيار البنك كان الأكبر في القطاع المصرفي الأمريكي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وثان أكبر انهيار لبنك أمريكي في التاريخ. احتل «سيليكون فالي» المرتبة الـ16 بين أكبر البنوك الأمريكية من حيث الودائع قبل انهياره.
أثار هذا مخاوف من احتمالية أن يتسبب هذا الانهيار في موجة تدمير مالي أوسع، في حال انتقلت العدوى لبقية البنوك، خاصة مع انخفاض أسهم كل البنوك الأمريكية بلا استثناء، فقدت الشركات الأمريكية أكثر من 100 مليار دولار من قيمة الأسهم في اليوم التالي لإنهيار البنك، فيما خسرت الأسهم الأوروبية 50 مليارًا، طبقًا لحسابات وكالة «رويترز»، لكن لم يتضح التبعات التالية المحتملة.
الأكيد في ذلك الانهيار، إن مئات شركات بقطاع التكنولوجيا حول العالم على الأقل، ستتأثر بشكل كبير حتى تتضح الصورة، وهو تأثير شبهه البعض بـ«مستوى الانقراض». من بين هذه الشركات عدد من الكيانات المصرية، وجدت نفسها في موقف حرج دون أدنى توقع.
جاء الانهيار السريع للبنك، والذي يعد حالة كلاسيكية لأزمات السيولة أو «bank run»، بعد رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة من أجل السيطرة على التضخم منذ بدايات 2022، وكشفت تلك الوتيرة المتسارعة لرفع الفائدة عن «نقاط ضعف في السوق»، حسبما لاحظت وكالة «رويترز».
على الرغم من أن دراما هذه الانهيار استغرقت أقل من أسبوع، إلا أن أزمة البنك بدأت قبل عام تقريبًا مع قرار استثماري معتاد اتخذه البنك دون أن يعرف أن كثيرًا على وشك التغير سياسيًا واقتصاديًا.
بشكل مبسط، أي بنك يعمل عن طريق الحصول على إيداعات ومدخرات العملاء واستثمارها في مجالات مختلفة، مع الإبقاء عن جزء من الأموال داخل البنك لإتمام طلبات السحب المعتادة للعملاء. وتتمثل أرباح البنك بشكل أساسي في الفارق بين حصيلة الاستثمارات وأموال العملاء.
في البداية، قرر «سيليكون فالي» ما تفعله البنوك في المعتاد: استثمار جزء كبير من أموالها في سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأمد وسندات رهن عقاري، أحد أكثر أماكن الاستثمار أمانًا. العائد منخفض لكنه مضمون.
لكن خلال أسابيع، وبسبب ضغوط مختلفة دفعت التضخم إلى الارتفاع حول العالم، بدأ الاحتياطي الفيدرالي سلسلة قرارات برفع سعر الفائدة، والتي لم تتوقف حتى الآن.
رفع الفائدة تسبب فيما يُعرف عند المستثمرين بـ«انعكاس منحنى العائد»، كما يشرح الباحث الاقتصادي محمد رمضان: السندات قصيرة المدى تصبح بعد رفع الفائدة أكثر ربحية من السندات طويلة المدى. لهذا فقدت السندات طويلة المدى التي اشتراها بنك «سيليكون فالي» منخفضة الفائدة جاذبيتها من ناحية أخرى.
كما امتنعت صناديق رأس المال المغامر عن تقديم التمويل اللازم للشركات الناشئة، وبالتالي انخفضت وتيرة الإيداعات في البنك، حسبما أوضح رمضان.
ومع الأزمة العنيفة التي واجهها الاقتصاد والتقييمات المرتفعة لشركات التكنولوجيا الناشئة والمستمرة منذ بداية وباء كورونا، زادت معدلات السحب من قبل تلك الشركات من أموالها في البنك، وذلك لتغطية نفقاتها التشغيلية الجارية بعد توقف شلالات التمويل من المستثمرين.
وبسبب هذه الضغوط، ومن أجل الحفاظ على التزامها بتوفير أموال العملاء في أي وقت يطلبونها، اضطر البنك لبيع بعض أصوله بخسارة وصلت إلى ملياري دولار.
حتى مع كل هذا، لم يكن ضروريًا أن ينهار البنك. باستثناء أن أنباء هذه الخسارة تسببت في موجة ذعر كبيرة وسط عملاء البنك، وبسرعة، قرر الكثير منهم سحب أموالهم من البنك. واستمرت هذه العجلة حتى أصبح البنك عاجزًا، خلال أقل من يومين، عن الوفاء بهذه الالتزامات. جزء من هذه الالتزامات كان مؤمنًا عليها، ما يعني أن أصحابها سيتمكنون من الحصول عليها دون مشكلة، لكن 89% من إجمالي الودائع لم يكن مؤمنًا عليها، ولا يزال مصيرها مجهولًا، ويساوي هذا الجزء يمثل أكثر من 150 مليار دولار.
معظم أصحاب هذه الأموال من الشركات الناشئة. هذا يعني شللًا مؤكدًا لقدرات هذه الشركات -بعض هذه الشركات مصرية- على الاستمرار في عملياتها التشغيلية، أو «فوضى الشركات الناشئة» كما وصفها تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».
نقلت نشرة «إنتربرايز» عن مصدر لها أن قائمة يتم تداولها شملت 50 شركة مصرية تأثرت بانهيار البنك الأمريكي. ويخطط عدد من الشركات المصرية لبدء جولات تمويلية عاجلة من مستثمريها لضمان استمرار عملياتها، حسبما نقلت صحيفة «المال» عن مصدر فى إحدى الشركات الناشئة، التي كانت تتعامل مع البنك، لكنها تمكنت من سحب ودائعها قبل الانهيار.
إلى جانب التبعات الآنية، توقعت مصادر نقلت عنها «المال» أن يستمر تأثير هذا الانهيار على الشركات الناشئة المصرية طوال المدة المقبلة، لأن «سبليكون فالي» كان أحد أكبر البنوك العاملة في إقراض الشركات الناشئة عمومًا.
ولا يبدو من مخرج سوى أن تستحوذ مؤسسة استثمارية أخرى على البنك لتنتقل إليها هذه الالتزامات. إذا لم يحدث هذا، سيضطر «سيليكون فالي» إلى إعلان إفلاسه رسميًا. ويعني هذا بدأ فترة تقييم أصول البنك وتصفيتها. قدّر أحد مصادر «إنتربرايز» أن هذه الفترة قد تستمر بين 6-12 شهرًا حتى يحصل أصحاب الودائع على أموالهم أو جزء منها.