في تطوّر مثير للقلق، أفادت وسائل إعلام يونانية بأن السلطات المصرية أقدمت، يوم الخميس 29 مايو 2025، على إغلاق دير سانت كاترين التاريخي الواقع في جنوب شبه جزيرة سيناء، وصادرت ممتلكاته، وأمرت بإخلائه من الرهبان الأرثوذكس المقيمين فيه، دون تقديم أسباب واضحة أو إعلان رسمي من الحكومة المصرية.
ونقل موقع Protothema الإخباري اليوناني عن مصادر كنسية مطّلعة أن السلطات المصرية دخلت محيط الدير في ساعات مبكرة، وطالبت الرهبان بمغادرته على الفور، وقامت بتجميد كافة الأنشطة داخله، مع فرض طوق أمني حول المنطقة. وبحسب ذات المصدر، فإن ممتلكات الدير تمّت مصادرتها أو تجميد التصرف فيها، وسط غياب أي مسار قانوني واضح أو إشراف قضائي معلن.
وتُعد هذه الخطوة، التي لم تُسبَق في تاريخ العلاقات بين الدولة المصرية والكنيسة الأرثوذكسية، صفعة قوية للمؤسسة الدينية التي كانت تُشرف على أحد أقدم الأديرة المسيحية في العالم، والذي يُعد رمزًا للتراث البيزنطي الأرثوذكسي منذ تأسيسه في القرن السادس الميلادي بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول.
ويقع دير سانت كاترين عند سفح جبل موسى (جبل الطور)، في منطقة يُعتقد أن النبي موسى تلقّى فيها الوصايا العشر. ويُعرف الدير بمكتبته التاريخية الضخمة، التي تضم ثاني أقدم مجموعة من المخطوطات المسيحية بعد مكتبة الفاتيكان، فضلًا عن أيقونات نادرة يعود بعضها إلى العصور الأولى للمسيحية.
حتى الآن، لم تُصدر الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية أي بيان رسمي حول الحادثة، رغم أن الدير تابع للبطريركية الأرثوذكسية في القدس وتحت رعاية اليونان تاريخيًا. ويأتي هذا الصمت في وقت تتصاعد فيه التساؤلات والضغوط من قبل نشطاء ومثقفين في أثينا وعواصم أوروبية أخرى، دعوا إلى تحرك دبلوماسي عاجل لحماية الدير ووقف أي مساس بتراثه أو ملكيته.
ويرى مراقبون أن الخطوة المصرية، التي نُفّذت بدون شفافية أو تفسير، قد تكون مرتبطة بأبعاد سياسية أو أمنية متصلة بسيناء، أو ربما بسعي الدولة إلى إعادة هندسة السيطرة على الأماكن الدينية ذات الحساسية الجغرافية والتاريخية، في إطار مشاريع “التنمية” الجارية في المنطقة.
منظمات دولية معنية بحماية التراث الثقافي والديني عبّرت عن خشيتها من أن يكون هذا القرار مقدمة لإجراءات أوسع تستهدف الأوقاف المسيحية القديمة، خصوصًا في ظل تقارير سابقة تحدّثت عن تضييقات على الرهبان، وتدخلات في شؤون إدارة الدير خلال السنوات الأخيرة.
ويحذر خبراء من أن مصادرة ممتلكات الدير أو تفكيك مكتبته وكنوزه الأثرية يُمثّل خطرًا جسيمًا على التراث الإنساني، لا على المسيحيين وحدهم، مطالبين بضرورة فتح تحقيق دولي وإرسال بعثة مستقلة لتقصي الحقائق.
في ظل هذا الصمت الرسمي المصري، والتجاهل الإعلامي داخل البلاد، يبقى مصير دير سانت كاترين ومكانته كموقع تراث عالمي مسجّل لدى اليونسكو معلقًا، رهن الغموض والمخاوف من مستقبل لا يبدو مشرقًا، لا للرهبان، ولا للتراث، ولا للحوار الديني.