أطلقت مؤسسة قضايا المرأة المصرية تقريرًا تحليليًا غير مسبوق بعنوان “عدد بلا مدد”، يرصد ويقيّم أداء النائبات في مجلس النواب المصري خلال الدورة البرلمانية 2021–2024. وعلى الرغم من تخصيص 25% من مقاعد البرلمان للنساء – وهي النسبة الأعلى تاريخيًا – خلص التقرير إلى نتيجة صادمة: التمثيل العددي لم يُترجم إلى تأثير فعلي أو إنجازات تشريعية ملموسة في قضايا المرأة.
قانونان فقط خلال 4 سنوات.. والباقي مؤجّل
رصد التقرير تمرير قانونين فقط يخصان النساء بشكل مباشر، هما:
قانون تغليظ عقوبة التحرش الجنسي (2021).
قانون تشديد عقوبة ختان الإناث (2023).
لكن الدراسة وصفت هذه التشريعات بأنها “جزئية ومحدودة”، حيث اكتفت بالشق العقابي دون مقاربات شاملة أو وقائية. كما أشارت إلى أن هذه القوانين جاءت بمبادرة من الحكومة أو زعيم الأغلبية، لا من النائبات أنفسهن.
قوانين جوهرية مجمّدة بلا نقاش
تناولت الدراسة بالتفصيل مصير عدد من مشروعات القوانين الحيوية، التي طُرحت داخل البرلمان دون أن تجد طريقها إلى المناقشة، من بينها:
قانون الأحوال الشخصية الجديد، رغم تعثر القانون الحالي ومرور أكثر من قرن على صدوره.
قانون العنف الموحد ضد المرأة، رغم وجود مسودات جاهزة وتوصيات رسمية بصدوره.
قانون تجريم تزويج الأطفال، الذي تعرقل داخل اللجنة التشريعية بسبب تحفظات الأزهر وممثلي تيارات محافظة.
التقرير اعتبر أن هذه القوانين تمثل “الاختبار الحقيقي للتمكين النسوي”، وأن تجاهلها يُعد انعكاسًا لغياب الإرادة السياسية لدى البرلمان.
كوتة بلا مضمون.. وقيادة بلا نساء
ورغم الحضور العددي للنائبات، فإن التقرير كشف عن ضعف تمثيلهن في المواقع القيادية داخل البرلمان. فخلال أربع سنوات:
لم ترأس النساء سوى لجنتين فقط من أصل 25 لجنة نوعية.
لم تضم اللجنة العامة للبرلمان أبرز أدواته المؤسسية أكثر من خمس نائبات في أقصى الحالات.
غابت النائبات عن رئاسة الهيئات البرلمانية للأحزاب، ولم تترأس أي منهن كتلة سياسية كبرى.
الدراسة خلصت إلى أن نظام القوائم المغلقة أنتج تمثيلًا نسويًا بلا استقلالية سياسية أو تعددية فكرية، ما أدى إلى تهميش الأجندة النسوية.
توصيات لتصحيح المسار
دعت مؤسسة قضايا المرأة المصرية إلى إصلاحات جذرية في البيئة التشريعية والسياسية، من أبرزها:
تعديل قانون الانتخابات لتبني القوائم النسبية المفتوحة.
دعم الأحزاب لمرشحات مستقلات ذوات أجندة حقوقية واضحة.
خلق بيئة تسمح بتمكين النساء في مواقع اتخاذ القرار، لا الاكتفاء بالتمثيل الرمزي.
وأكد التقرير أن “عدد النساء لا يُغني عن الدور”، وأن المطلوب هو نائبات مؤثرات، لا مجرد مقاعد مشغولة”.
تقرير مرجعي نادر
تُعد دراسة “عدد بلا مدد” واحدة من أول المحاولات المستقلة لرصد الأداء البرلماني للنساء وفق معايير حقوقية وتشريعية دقيقة. وهي تمثل مرجعًا مهمًا للباحثين والمشرّعين والمهتمين بقضايا المساواة بين الجنسين في مصر والمنطقة.
ويُنتظر أن تشكّل نتائج التقرير مادة للنقاش داخل المجتمع المدني، ودعوة جديدة لإعادة النظر في فلسفة التمثيل النسائي داخل المجالس التشريعية.